بدر الدين مشرف
عدد الرسائل : 224 تاريخ التسجيل : 10/05/2008
| موضوع: الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال الأحد مارس 27, 2011 10:17 pm | |
| 1948 - 1968 الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال
مقدمة
ليست المقاومة المسلحة قشرة، هي ثمرة لزراعة ضاربة جذورها عميقا في الأرض، وإذا كان التحرير ينبع من فوهة البندقية، فان البندقية ذاتها تنبع من ارادة التحرير، وارادة التحرير ليست سوى النتاج الطبيعي و المنطقي والحتمي للمقاومة في معناها الواسع: المقاومة على صعيد الرفض وعلى صعيد التمسك الصلب بالجذور والمواقف.
ومثل هذا النوع من المقاومة يتخذ شكله الرائد في العمل السياسي و العمل الثقافي، و يشكل هذان العملان المترافقان اللذان يكمل واحدهما الآخر الارض الخصبة التي تستولد المقاومة المسلحة و تحضنها و تضمن استمرار مسيرتها و تحيطها بالضمانات.
ومن هنا فان الشكل الثقافي في المقاومة يطرح اهمية قصوى ليست ابدا أقل قيمة من المقاومة المسلحة ذاتها، و بالتالي فان رصدها و استقصاءها و كشف اعماقها تظل ضرورة لا غنى عنها لفهم الارض التي ترتكز عليها بنادق الكفاح المسلح.
وفي الفترة التي امتدت بين 1948 و 1968، قدم المثقفون العرب في فلسطين المحتلة، من خلال أقسى ظروف القمع، و الأسر الثقافي، نموذجا تاريخيا للثقافة المقاومة، بكل ما فيها من وعي و صمود و صلابة، و أهم من ذلك، بكل ما فيها من استمرار و تصاعد وعمق.
وفي الواقع فان ادب المقاومة -على وجه الخصوص - لم يكن أبدا ظاهرة طارئة على الحياة الثقافية الفلسطينية، و في هذا النطاق فان المقاومة الفلسطينية قدمت، على الصعيدين الثقافي و المسلح، نماذج مبكرة ذات أهمية قصوى كعلامة اساسية من علامات المسيرة النضالية العربية المعاصرة.
وحفل التاريخ الفلسطيني،منذ الثلاثينات على الاقل، بمظهار المقاومة الثقافية و المسلحة على السواء، و اذا كانت الثورات المسلحة التي خاضها شعب فلسطين قد انتجت اسماء من طراز عز الدين القسام مثلا، فان أدب المقاومة قد انتج، قبل ذلك و معه و بعده، اسماء من الطراز نفسه، ما زال المواطن العربي يذكرها بكثير من الاعتزاز، و من أبررزها ابراهيم طوقان، و عبد الرحيم محمود، و ابوسلمى (عبد الكريم الكرمي) و غيرهم.
ومن هذه الناحية فان أدب المقاومة الفلسطيني الراهن، مثله مثل المقاومة المسلحة، يشكل حلقة جديدة في سلسلة تاريخية لم تنقطع عميليا خلال نصف القرن الماضي من حياة الشعب الفلسطيني.
ولكن ما يميز الادب المقاوم في فلسطين المحتلة منذ 1948 حتى 1968 هو ظروفه القاسية البالغة الشراسة، التي تحداها و عاشها، و كانت الأتون الذي خبز فيه انتاجه الفني، يوما وراء يوم.
لقد كان الحصول على نماذج هذا الادب المقاوم صعبا للغاية، و من المؤكد الآن ان هناك نماذج لم يتسير قط نشرها، و لا نعرف فيما اذا مان من الممكن نشرها خلال الفترة الوجيزة القادمة، و كذلك فان ثراثا كبيرا من الشعبي الفلسطيني الذي ولد و ترعرع و انتشر في الريف الفلسطيني خلال العشرين السنة الماضية لم يتسير لنا قط الحصول عليه بالصورة التي تتيح استخدامه لدراسة منفصلة أخرى، و ان كانت الجهود الحالية في هذا النطاق تبشر بامكان ذلك.
في هذا المجال لابد من الاشارة الى أن البحث التالي ليس طبعة جديدة او منقحة لكتابي الذي أصدرته دار الآداب باسم "ادب المقاومة في فلسطين المحتلة"، بل يمكن اعتباره الى حد بعيد دراسة مكملة، خطوة ثانية في هذا النطاق، ولا يسعي الا أن اشير الى أن الكتاب الاول يعتبر مقدمة ضرورية لهذا الكتاب، سواء من حيث التحليل او حيث النماذج.
واذا كان لابد من الاستطراد في هذه النقطة الشكلية، و لكن الهامة، فهناك ملاحظتان لابد منهما:
الاولى ان معظم النماذج التي اخترناها في هذه المجموعة حرصنا على ان تكون من خارج نطاق النماذج التي باتت متوفرة الآن،و التي ستطبع في مجموعات شعرية منفصلة خلال الفترة الوجيزة القادمة.
والثانية ان دراسات تحليلة عديدة لأدب المقاومة الفلسطيني، هي الآن في نطاق الاعداد منقبل استاذه اختصاصيين في النقد الادبي و البحث، و هذا هو بالذات ما جعل الدراسة هذه تميل باطراد نحو الصيغة الوثائقية، اذا جاز التعبير، أكثر بكثير مما حرصت على الصيغة التحللية.
وبعد. ان ما يهم هذه الدراسة، في الاساس. هو انها تحاول تقديم وثيقة أخرى للادب الفلسطيني المقاوم بعد الوثيقة الاولى التي جاءت قبل ثلاث سنوات في كتاب "ادب المقاومة قي فلسطين المحتلة"، فاذا حققت ذلك فانها لا تطمعه الى شيء آخر.
بيروت 15نيسان 1968 | |
|